الأربعاء، 5 مارس 2008

تنين الشتائم المريض







لتكن اللغة شحما فاسدا في برميل . وليكن الهدف ايماءة مجنون.

كل دعاة الواقع يجب ابادتهم بالحقن السامة واحراق نصف الحالمين.

رجل عاقل : ماهذا الهراء ؟

امراة طيبة : وقاحة ؟

الرجل العاقل ينيك المراة فوق مائدة الطعام في المطبخ. يسيح المني فوق فتات الخبز. اما الشحم الفاسد فهو لطلاء جدران هذا العالم. لا تتسرعوا ـ سنجمع هذا الهذيان بعد قليل في جمل مفيدة ـ ادوية مفيدة لامراض القلب والشرايين. جمل صحية يمكن تناولها في طبق فاكهة بعد ان ينتهي الرجل والمرأة من طعامهما المائي.

الكاتب : يضرط.

الان اليكم ملخص هذا المسرحية قبل كل شئ :

في الساعة السادسة صباحا طرق شرطيان باب البيت.قالوا لأمي كلمتين، ثم اتجهوا الى باب الجيران المقابل. هرعت امي الى الدولاب واخرجت عباءتها السوداء بعد ان ايقظتنا جميعا من النوم. نحن الان لمن لايعلم ولمن لايزال نائما ، في الاول من كانون الثاني عام 1985. حسنا ، ابتسموا الان ودعونا نلتقط صورة فوتوغرافية لكاتب هذا المشهد وهو في العاشرة من العمر.

خرجنا خلف امي نفرك عيوننا ونتثائب. خمسة فراخ باقدام صغيرة خلف العباءة السوداء ، وواحد ملفوف قرب الصدر، يبكي ويريد حلمة الحليب. كان هناك جمهور كبير يحتشد على اطراف الساحة الترابية التي تتوسط الحي ، الساحة التي كانت تنقسم الى قسمين في الايام الإعتيادية : قسم مخصص لزبالة الحي اليومية وقسم اخر يلعب فيه الولاد كرة القدم ، وهو القسم الذي يتحول ايضا في الليل بمساندة الظلام الى وكر للمراهقين لتدخين السجائر وشرب البيرة والعثورعلى اطفال شهوات سرية. لكن اليوم هو يوم غير عاد. والدليل على ذلك ، ان امي صامتة لاول مرة في حياتها. جنود فوق سطوح البيوت يراقبون جمهور الحي الذي استيقظ بامر صارم. شرطة امام الجمهور ، جيش شعبي خلفه ، رجال امن بينهم ، وشاة يراقبون العيون. جمهور وسط جمهور. جمهور داخل جمهور. جمهور خائف من جهور.

ـ ماهذا العمود الخشبي ياامي ؟

ـ اسكت يمة الله يخليك...

مثل عمود أرجوجة العيد لكنه قصير ووحيد من دون عمود يقابله ، اذ كيف سيربطون حبل الارجوحة. خلف العمود وضعوا تل ترابي صغير. وصلت سيارة عجيبة لم اشاهد مثلها من قبل. ماهذا التل الترابي ياامي ؟

همس احد المشاهدين : وصل القفص ـ يقصد السيارة العسكرية الغريبة. ُمشاهد اخر خلفه مد رقبته قليلا ، محاولا معرفة ان كان المشاهد الاول سيضيف كلمة اخرى بعد كلمة القفص التي تركها من دون ان يضع لها علامة تعجب او استفهام. التل الترابي يمنع الرصاص من الوصول الى ابواب البيوت في الجهة الاخرى - همس اخي الكبير في اذني. انزلوا من سيارة القفص العسكرية شابين. ربطوا الاول على العمود. ثم وقف امامه خمسة جنود واعدموه. بعد ان قرأ ضابط برتبة مهمة من مكبر صوتي كلمة قصيرة ، اتذكر منها كلمتي : ماء وخبزالوطن ، الذي لايستحقه هذا الخائن. وفعلوا بالثاني مثل الاول. صفق الجمهور الاول بحماس ، ثم عادوا الى البيوت لاعداد طعام الفطور تحت حراسة الجمهور الاخر.

صعدت الى سطح البيت وراقبت تل التراب. كانوا قد أخذوا الجثث والعمود الخشبي معهم . لم أفهم لم اخذوا العمود ايضا. لكم تمنيت ان يتركوا العمود الخشبي الذي لا أعرف سبب تعلقي به حتى اليوم. تبولت في زاوية السطح ، ثم راقبت دخان تنور خبز يصعد من سطوح احد المنازل. إبن قحبة من يدعي انه يكتب من اجل الحزن او الخوف في هذه الصورة الفوتوغرافية البائسة ، أنا اكتب من اجل سيدي ومولاي امير الظلام ، تنين النار الذي يغلي في معدتي ، اكتب من اجل ان لا اهدأ ، من اجل ان اضاعف سرعتي صوب المقبرة ، وليس من اجل حكمة ما ولا من اجل التاريخ ولا من اجل التسلية ولا من اجل اي غرض ادبي تعس ، لكن هل تظنون انني اكتب عن القتل او الظلم او عن مسرحية الخراب ، هل تظنون انني اكتب شهادة في سجل الاحياء والاموات ؟ من ؟ انا الذي قتلت في حروب صليبية قبل قرون ، وقطع راسي بضربة واحدة من سيف فارس شجاع. أنا اكتب في رواية ، مهمة بطلها تصفية جميع ابطال الروايات والقصص الادبية. هل تظنون انني اريد ان الطم فوق الجثة ؟ لقد ُقتلت غدا بسيارة مفخخة في بغداد ، قتلت وانا في طريقي الى السوق ، ساشتري الرز والسمك ، سيعثرون على راسي قرب كيس السمك. ُقتلت في كهف ، في العصر الحجري ، اراد احدهم ان يأكل ولدي. مساءا غرقت ، قتلني البحر ، بعد ان ودعت قريتي ، جدتي من الصومال ، وابي من تنزانيا ، سينقلب القارب ، لن اصل الى شواطئ اسبانيا ابدا. قتلت في غزوة مسلمين لبلادي ، قتلت برمح طويل وسط سهوب اسيا. قتلت في العام الماضي في يوم الاحتفال بعيد ياهانوس في غابة فنلندية ، احترقت بحفرة النار التي كنا نلعب سكارى حولها. بالطوفان ، شطبت بلدتي الصغيرة ، وقبل ان يدخل جذع شجرة مكسور في صدري ، شاهدت طفلي يهرس اسفل جدار. سقطت قذيفة من طائرة ، قتلنا جميعا في الخندق ، طائرة من الحرب العالمية الثانية تبولت فوق روؤسنا. قتلني تجار المخدرات في كولمبيا بالخطأ ، كان يريدون قتل ابن عمي. احترقت في فرن نازي ، رغم انني كنت ميتا حين حملوني الى الفرن. سيارة فتاة جميلة ، فتاة يساوي بظرها عطر الوردة ، صدمتني في الشارع ، كانت السماء تمطر فوق باريس في ذلك اليوم. اخذوا دمي مقابل دم رجل اخر في قرية افغانية. قتلت في حرب اهلية ، قتلت في ثورة. قتلت وقتلت وقتلت وساقتل. قتلت في نشرة الاخبار ، قتلت من اجل ان يدون اسمي في كتب التاريح ، قتلت من اجل ان اضيع الى الابد في زحام المقبرة.. قتلت بسبب الطموح ، قتلت من اجل انسان اخر ، قتلت بسبب الغباء ، قتلت بسبب طيبيتي ، قتلت بسرطان الرئة ، كنت اظن ان تدخين السجائر افضل من الموت بدخان الوحشة. قتلت وانا ادافع عن الشيطان ، قتلت في صفوف جيش الملاك. قتلت بسبب ، قتلت من دون سبب. لكن ابن قحبة ايضا من يطالبني بالتوقف عن القتل في الكتابة ، عن الرقص مثل مجنون دخل عرسا بالخطأ. ابن قحبة ايضا من يسعى للانخراط في صفوف مايسمونه: ادب السفلة العالمي. ابن مرحاض من لايتوقف دقيقة واحدة ، ليسألهم ماذا يعنون بهذا الادب العالمي. هل هو يشبه النيك العالمي او القتل العالمي او الخراب العالمي. ابن قحبة من لايتجرع السم من دون ان يموت. ابن خنزير ظريف من يصفق في مهرجان للشعر او حفلة اعدام. اما ابن القحبة الكبير فهو من يطالب الكتابة بان توقف القتل او توزع الخبز ، مثل اولاد القحبة الذين كانوا يطالبون اهل المعدوم بثمن رصاصات قتل اولادهم. كيف ستنتهي فورة احاسيسي هذه. مالذي كنت اريد فعله بالتحديد حين طبعت الكلمة الاولى ، وهذه ايضا خدعة ساذجة ، عدوى مملة من امراض الكتابة. في الحقيقة اعرف مالذي انوي فعله ، لكنني لااعرف بالتحديد لم انا موجود هنا ، اذكر انه كان عندي برميل من الشحم الفاسد ، وكنت انوي ان استخدمه في طلاء جدران الارحام لكي لا تقذف بالقتلة والضحايا على مدار الساعة ، وكنت افكر ، ان كان الخارج من الرحم والداخل الى القبر هو توأم جميع المواليد والوفيات ، ان كان مع هاتين الحفرتين كل هذه العدالة والنزاهة والمساواة ، لم لاتقدر الحياة هي الاخرى على النوم بسلام. لم افرك عينيّ منذ اربعة وثلاثين عاما في برميل الشحم الفاسد نفسه. لم لاتغص روحي بعظمة العذاب واستريح. من اين لي كل هذه القدرة على التنفس ومواصلة الضراط. صدقوني لو كنت املك الموهبة للكتابة ، لما كتبت هذا الهراء الذي ستكنسه الريح بعد قليل.


انتهى.


رجل عاقل : هل من المنطق ان ينتهي النص بهذه الطريقة ، واين هو العمود الفقري لهذا القرش الكوميدي الذي تريد رسمه ؟

امرأة طيبة : الكتابة هي فن الصمت ، وليست حنفية هذيان ؟

الكاتب : تبا لك من احمق ياسيدي العزيز ، نعم سيدتي معك كل الحق ايتها العاهرة ، انا الاخر كدت أن استسلم ذات مرة ، كاد أن يطلع برعم الحب في قلبي ، كنت على وشك الانتهاء من نسج راية بيضاء ، كدت أن اعتذر من الحياة وربما اصلي من اجل البشر ، كدت أن اتصدق بالكلمات على القراء كحلوى صوفية. كدت أن اجلس قبالة التلفزيون واضحك مع المسرحية. كدت أن اكتب قصيدة في الجمال وروعة العشب. لكني مازلت اخرج سكيني وامسك برقبة الفكرة. الليل طويل. ادوّن لائحة باسماء المطلوبين . عدت الى ذاتي . كدت انسى مرارة دمي ، كادت الشمس ان تغويني ، كدت ان ارتكب جريمة شرف ضد انسانيتي واكتب عن الحب ـ انا ابن قبيلة الحقد. كدت ان اكسر كأس الهذيان ـ تاجي ومملكتي وينبوع عطشي. عدت الى ساحة المعركة ، كدت ان انسى شهوة اطلاق الرصاص في الهواء :

قضيب مجذوم في فم الزمن. انهيار خرائي من قمة جبل الله فوق الانسان الحزين. رصاصة على هيئة فساء مضغوط في جبين ابي المشلول. برميل من الاطفال المسحوقين بهاون فولاذي في ضرس العشاق ( مامعنى هذا ؟ ). سحالي منقوعة ببول الشيطان ومقلية بزيت المحركات في حساء الشعراء. الف طن من البلغم مخلوط بالف طن من حيض ساحرة على لسان من يروي حكاية واقعية. ستون الف مسمار متجمر في رحم المرأة التي لاتعرف الخيانة. ومئة الف مسامر اخر في حنجرة الرجل السياسي، ومئة الف مليون اخر في طيز الكتابة. وجيش من دود المقبرة المهروس بلحم الموتى على اسنان من يحلم .


كاد البصاق ان يجف في فمي ......

عدت الى قرية اجدادي : الكوابيس


ليست هناك تعليقات: