الأحد، 26 أبريل 2009

فلسفة الحفرة








ذات نهار خريفي يشبه مزاج الدورة الشهرية لفتاة يافعة ، كنت أعدو في الغابة لممارسة الرياضة وسقطت في حفرة منطقية جدا - حفرة بسيطة و واقعية الى حد القرف : حفرة من حفر هذا العالم . والأكثر واقعية هو ما كان موجودا في الحفرة : رجل نحيل أخبرني أنه سقط في الحفرة قبل يومين أثناء تنزهه في الغابة لمراقبة الطيور بواسطة منظار عسكري.

من الذي سيستجيب الى دعائنا الانساني الكئيب طوال الليل ( ياخالق البعوضة والبحر .. دع رجلا آخر ، أو إمرأة ، يسقط في الحفرة .. ) فعمق الحفرة هو السخرية والفزع في آن واحد. لو صعد الرجل مثلا فوق كتفي، لأحتجنا فقط الى شخص ثالث يتسلق كتفينا ثم يخرج من فوهة الحفرة ( ياصاحب المعجزات ، يا قدير ، يامراقب، دع زرافة أو قردا أو رجلا طوله متر و ستون سنتميترا فقط يهوي في الحفرة ، دع شجرة يابسة تسقط في الحفرة ، إرم لنا أربعة أفاع كي نصنع منها حبلا .. )

في صباح اليوم التالي ارسلت السماء مطرا غزيرا مباركا. قبلها كنت قد تغوطت وتبولت، وشممت رائحة الموت في عيني صاحبي. كنا نقف ـ مثل تمثالين في مشغل نحات لم ينه العمل فيهما ـ بانتظار ان تمتلأ الحفرة بالماء و نطفو الى الحياة من جديد. أكيد أن فكرة أمتلاء الحفرة بالماء أمل كئيب لكنه لايخلو من المجازفة. الفكرة بدت لنا الطوق الوحيد لنجاتنا. لحظتها تخيلت أشياء غريبة ربما كانت تضاعف من تفاهة وخطورة المأزق بطريقة لا تخلو من الإضحاك: نسخ مكررة من أثداء امرأة معلقة على جدار أبيض في مطعم. جسر يصل البحر بالغابة . مكنسة الساحرات في أفلام الرسوم المتحركة . أحدهم يمد أصبعه في مؤخرته ويرسم على جدار زجاجي وردة. بينما كان الآخر يطلق عتابه بصوت حنون ( ياخالق الدودة والكون .. خلصني ... ). وعندما خيم الليل طفونا في الماء الذي ملأ الحفرة الى النصف. رافعين رؤوسنا صوب السماء ، متضرعين أن يعود المطر من جديد.

ولكان نداء أسطوريا جميلا، لو صاحت الغابة بأعلى صوت : هناك من سقط في الحفرة ... هوووه ... يا هوووو ... إنه الانسان الذي يعجز عن الخروج من حفرة صغيرة ... كان قد سقط ... النجدة ... النجدة ... الانسان ... الحفرة ...النجدة ...

وقبل أن يلفظ صاحبي أنفاسه الأخيرة قال وهو يرتجف من شدة البرد واليأس :
ـ أنظر ... نسر في السماء ...

اما انا فخرجت من الحفرة بعد موت صاحبي بقليل. ونجوت. وكان السبب معجزة أخرى واقعية جدا ، صدفة بسيطة كانت أكثر من عادية لاتستحق الذكر .حتى أني لاأذكرها كي لاتتحول هذه الحفرة الى مبالغة أدبية. اقصد الخوف من كارثة أن يكون الشعر هو الطريق الوحيد لتقصي الحقيقة...
غموض المأزق كما تعرفون !
هي فلسفة الغائط ...